فصل: ابنه أبو العباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.أخوهما أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب.

ولما توفي زيادة الله بن إبراهيم تولى أخوه الأغلب ويكنى أبا عقال فأحسن إلى الجند وأزال المظالم وزاد العمال في أرزاقهم وكفهم عن الرعية! وخرج عليه بقسطيلة خوارج زواغة ولواته وبسكاسة وقتلوا عاملها بها وبعث إليهم العساكر فقتلهم واستأصلهم وبعث سنة أربع وعشرين سرية إلى صقلية فغنموا وعادوا ظافرين وفي سنة خمس وعشرين استأمن للمسلمين عدة حصون من صقلية فأمنوهم وفتحوها صلحا وسار أسطول المسلمين إلى قلورية ففتحوها ولقوا أسطول القسطنطينية فهزموهم وفي سنة ست وعشرين سارت سرايا المسلمين بصقلية إلى قصريانة ثم حصن القيروان وأثخنوا في نواحيها كما نذكره ثم توفي الأغلب بن إبراهيم في ربيع من سنة ست وعشرين ومائتين لسنتين وسبعة أشهر من إمارته.

.ابنه أبو العباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم.

ولما توفي أبو عقال الأغلب ولي بعده ابنه أبو العباس ودانت له إفريقية وشيد مدينة بقرب تاهرت وسماها العباسية وذلك سنة سبع وعشرين وأحرقها أفلح بن عبد الوهاب بن رستم وكتب إلى صاحب الأندلس يتقرب إليه بذلك فبعث إليه بمائة ألف درهم وفي أيامه ولي سحنون القضاء سنة أربع وثلاثين ومائتين بعد عزل ابن الجواد وضربه سحنون فمات ومات سحنون سنة أربعين ومائتين وثار عليه أخوه أبو جعفر وغلبه ثم إتفقا على أن يستوزره فاستبد عليه وقتل وزراءه ومكث على ذلك ثم أقام أبو العباس محمد بأمره واستبد سنة ثلاث وأربعين بعد أن استعد لذلك رجالا وحارب أخوه أبو جعفر فغلبه محمد وانتقض عليه وأخرجه من أفريقية إلى مصر سنة ست وأربعين ومائتين لستة عشر شهرا من ولايته.

.ابنه أبو إبراهيم أحمد بن أبي العباس محمد.

لما توفي أبو العباس محمد بن أبي عقال سنة اثنتين وأربعين ولي مكانه ابنه أبو إبراهيم أحمد فأحسن السيرة وأكثر العطاء للجند وكان مولعا بالعمارة فبنى بأفريقية نحوا من عشرة آلاف حصن بالحجارة والكلس وأبواب الحديد واتخذ العبيد جندا وخرج عليه بناحية طرابلس خوارج من البربر فغلبهم عاملها وهو يومئذ أخوه عبد الله بن محمد بن الأغلب سرح إليهم أخاهما زيادة الله يحاربهم واستلحمهم وكتب إلى أخيه أبي إبراهيم بالفتح وفي أيامه افتتحت قصريانة من مدن صقلية في شوال سنة أربع وأربعين وبعث بفتحها إلى المتوكل وأهدى له من سبيها ثم توفي إبراهيم هذا سنة تسع وأربعين لثمان سنين من ولايته.

.ابنه زيادة الله الأصغر بن أبي إبراهيم بن أحمد.

ولما توفي أبو إبراهيم ولي مكانه ابنه زيادة الله ويعرف بزيادة الله الأصغر فجرى على سنن سلفه ولم تطل أيامه وتوفي سنة خمسين لحول من ولايته.

.أخوه أبو الغرانيق بن أبي إبراهيم بن أحمد.

ولما توفي زيادة الله كما قدمناه ولي مكانه أخوه محمد ويلقب بأبي الغرانيق فغلب عليه اللهو والشراب وكانت في أيامه حروب وفتن وفتح جزيرة مالطة سنة خمس وخمسين وتغلب الروم على مواضع من جزيرة صقلية وبنى محمد حصونا ومحارس على ساحل البحر بالمغرب على مسيرة خمسة عشر يوما من برقة إلى جهة المغرب وهي الآن معروفة ثم توفي أبو الغرانيق منتصف إحدى وستين لإحدى عشرة سنة من ولايته.

.بقية أخبار صقلية.

وفي سنة ثمان وعشرين سار الفضل بن جعفر الهمداني في البحر ونزل مرسى مسينة وحاصرها فامتنعت عليه وبث السرايا في نواحها فغنموا ثم بعث طائفة من عسكره وجاؤا إلى البلد من وراء جبل مطل عليه وهم مشغولون بقتاله فانهزموا وأعطوا باليد ففتحها ثم حاصر سنة اثنتين وثلاثين مدينة لسى وكاتب أهلها بطريق صقلية يستمدونه فأجابهم وأعطاهم العلامة بإيقاد النار على الجبل وبلغ ذلك الفضل بن جعفر فأوقد النار على الجبل وأكمن لهم من ناحيته فخرجوا واستطرد لهم حتى جاوزوا الكمين فخرجوا عليهم فلم ينج منهم إلا القليل وسلموا البلد على الأمان وفي سنة ثلاث وثلاثين أجاز المسلمون إلى أرض أنكبردة من البر الكبير وملكوا منها مدينة وسكنوها وفي سنة أربع وثلاثين صالح أهل رغوس وسلموا المدينة للمسلمين فهدموها بعد أن حملوا جميع ما فيها وفي سنة ثلاث وثلاثين توفي أمير صقلية محمد بن عبد الله بن الأغلب واجتمع المسلمون بعده على ولاية العباس بن الفضل بن يعقوب بعد موت أميرهم وكتب له محمد بن الأغلب بعهده على صقلية وكان من قبل يغزو ويبعث السرايا وتأتيه الغنائم ولما جاءه كتاب الولاية خرج بنفسه وعلى مقدمته عمه رياح فعاث في نواحي صقلية وردد البعوث والسرايا إلى قطانية وسرقوسة وبوطيف ورغوس فغنموا وخربوا وحرقوا وافتتح حصونا جمة وهزم أهل قصريانة وهي مدينة ملك صقلية وكان الملك قبله يسكن سرقوسة فلما فتحها المسلمون كما ذكرناه انتقل الملك إلى قصريانة وخبر فتحها إلى العباس كان يردد الغزو إلى نواحي سرقوسة وقصريانة شاتية وصائفة فيصيب منهم ويرجع بالغنائم والأسارى فلما كان في شاتية منها أصاب منهم أسارى وقدمهم للقتل فقال له بعضهم: وكان له قدر وهيبة استبقني وأنا أملكك قصريانة ودلهم على عورة البلد فجاؤها ليلا ووقفهم على باب صغير فدخلوا منه فلما توسطوا البلد وضعوا السيف وفتحوا الأبواب ودخل العباس في العسكر فقتل المقاتلة وسبى بنات البطارقة وأصاب فيها ما يعجز الوصف عنه وذل الروم بصقلية من يومئذ وبعث ملك الروم عسكرا عظيما مع بعض بطارقته وركبوا البحر إلى مرسى سرقوسة فجاءهم العباس من بليرم فقاتلهم وهزمهم وأقلع فلهم إلى بلادهم بعد أن غنم المسلمون من أسطولهم ثلاثة أو أكثر وذلك سنة سبع وثلاثين وافتتح بعدها كثيرا من قلاع صقلية وجاء مدد الروم من القسطنطينية وهو يحاصر قلعة الروم فنزلوا سرقوسة وزحف إليهم العباس من مكانه وهزمهم ورجع إلى قصريانة فحصنها وأنزل بها الحامية ثم سار سنة سبع وأربعين إلى سرقوسة فغنم ورجع واعتل في طريقه فهلك منتصف سنته ودفن في نواحي سرقوسة وأحرق النصارى شلوه وذلك لإحدى عشرة سنة من إمارته واتصل الجهاد بصقلية والفتح وأجاز المسلمون إلى عدوة الروم في الشمال وغزوا أرض قلورية وانكبرده وفتحوا فيها حصونا وسكن بها المسلمون ولما توفي العباس اجتمع الناس على ابنه عبد الله وكتبوا إلى صاحب أفريقية وبعث عبد الله السرايا ففتح القلاع وبعد خمسة أشهر من ولايته وصل خفاجة بن سفيان من أفريقية على صقلية في منتصف ثمان وأربعين وأخرج ابنه محمودا في سرية إلى سرقوسة فعاث في نواحيها وخرج إليهم الروم فقاتلهم وظفر ورجع ثم فتح مدينة نوطوس سنة خمس وخمسين إلى سرقوسة وجبل النار واستأمن إليه أهل طرميس ثم غدروا فسرح ابنه محمدا في العساكر وسبى أهلها ثم سار خفاجة إلى رغوس وافتتحها وأصابه المرض فعاد إلى بليرم ثم سار سنة ثلاث وخمسين إلى سرقوسة وقطانية فخرب نواحيها وأفسد زرعها وبعث سراياه في أرض صقلية فامتلأت أيديهم من الغنائم وفي سنة أربع وخمسين وصل بطريق من القسطنطينية لأهل صقلية فقاتله جمع من المسلمين وهزموه وعاث خفاجة في نواحي سرقوسة ورجع إلى بليرم وبعث سنة خمس وخمسين ابنه محمدا في العساكر إلى طرميس وقد دله بعض العيون على بعض عوراتها فدخلوها وشرعوا في النهب وجاء محمد بن خفاجة من ناحية أخرى فظنوه مددا للعدو فأجفلوا ورآهم محمد مجفلين فرجع ثم سار خفاجة إلى سرقوسة فحاصرها وعاث في نواحيها ورجع فاغتاله بعض عسكره في طريقه وقتله وذلك سنة خمس وخمسين وولى الناس عليهم ابنه محمدا وكتبوا إلى محمد بن أحمد أمير أفريقية فأقره على الولاية وبعث إليه بعهده.